عادت إليه مسرعة، وبكل حشمة طلبت منه هاتفه لتدوين رقم هاتفها عليه، فسعد ياسين وغمرته الفرحة وأيقن بأن علاقته بملاك قد بدأت لتوها، فناولها الهاتف، وقبل الفراق طلب منها أن تعده بأن تنسى ما جرى ليلة أمس رغم قساوته، وأن تهتم بدراستها، ولا تلقي لمن كانت تعتبرهم صديقاتها أي بال، فقط تعتني وتصون نفسها وتتجنبهن قدر المستطاع، فابتسمت ملاك و حركت رأسها موافقة و مؤكدة على تمسكها بالوعد، ثم رحلت والدموع حبيسة عيونها، لكن هذه المرة ليس حزنا وألما، بل فرحة وبشرى، لأنها قد أحست ولأول مرة بأن قلبها قد نبض من جديد لشخص ارتاحت لرفقته، وكذلك ياسين أحس بشعور غريب لم يشعر به سابقا، فقد وجد فتاة جميلة، حسنة الخلق وطيبة المعشر يمكن أن تشاركه حياته.
بعد مرور الأيام، انتهت العطلة الصيفية، وعادت ملاك إلى الثانوية العامة لإكمال دراستها، لكن هذه المرة بدفعة قوية وإصرار كبير يفوق ما سبق، وقد اتخذت من وعدها لياسين، أسلوبا جديدا لحياتها، مع استمرار تواصلها به، إذ كانا يتواعدان كل يوم أحد، كي يتبادلان أطراف الحديث، ويتشاركان اهتماماتهما وكذلك مناسبة لمراجعة الدروس والامتحانات. هذه المواعدة الأسبوعية كان لها الفضل في نمو حب أصيل بينهما، حب يرتكز على الثقة و الوضوح، حب ينمو يوما بعد آخر، لكن في صمت و بلغة العيون فقط، إذ لم يجرأ أي طرف منهما على البوح بمشاعره وأحاسيسه اتجاه الآخر.
انتهت السنة الدراسية، واجتازت ملاك سنتها الأخيرة بالثانوية العامة بكل جدارة واستحقاق، حاصلة كما العادة على أعلى نقطة بالمحافظة، فكانت فخرا لأساتذتها ولوالديها و لياسين كذلك، وعلى غير عادتها، رسبت نزهة نتيجة تخاذلها وتهاونها بعد أن فارقت ملاك، وكذلك هشام بالمثل.
فرح والدي ملاك كثيرا بنجاح ابنتهما المحبوبة، و كعربون عن هذه الفرحة، سارعوا إلى تنظيم حفلة صغيرة لها، تشهد لها عن كمال انجازها الدراسي، فاقترحت ملاك على أسرتها دعوة عائلة ياسين، فوافقوا دون تردد، فقد كانت لهم دراية بالشاب ياسين، وكيف كان يراجع مع ابنتهما، إنه بمثابة الأخ الأكبر لها بالنسبة إليهم، وقد أحبوه أيضا لخلقه الرفيع ورجاحة عقله.
اقترب موعد الحفلة، وذهبت ملاك صحبة والدتها لدعوة أسرة ياسين لحضور حفل نجاحها وتجاوزها مرحلة الثانوية العامة عن جدارة واستحقاق، فلاقت هذه الدعوة استحسان وقبول أسرة ياسين، التي أبدت عن إعجابها وانبهارها بهذا الإنجاز، لاسيما أمينة أخت ياسين، التي ضمت ملاك بحرارة وهنأتها، بل وأظرفت دموع السعادة لهذا الصنيع، فملاك بالنسبة لها صديقتها المقربة، وأختها الروحية وقدوتها في درب الدراسة و النجاح.
أقيمت الحفلة ليلا، وقد حضر عدد كبير من الضيوف، من أعمام وأخوال وجيران لتهنئة ملاك وأسرتها، لكن أسرة ياسين لم تحضر بعد، وقد اضطربت ملاك، وظلت تنتظر عند شرفة المنزل، وقلبها المسكين يحن شوقا لرؤية ياسين، وقد اتصلت برقم هاتفه مرارا وتكرارا، لكن لا أحد يجيب، فأحست ملاك بحدوث أمر ما ....