قصة ملاك: الجزء السابع






















دخل ياسين أولا، فتبعته ملاك بعد أن ترددت في البداية، فنادى على أمه فلم تجبه، ثم نادى على أخته فلم تجبه هي الأخرى، فأدرك أنهما يغضان في نوم عميق ولا داعي لإيقاظهما، تقدم إلى ردهة المنزل وملاك تلاحقه، فأنار الإضاءة الخافتة كي لا يزعج أهل البيت، ثم خاطب ملاك بصوت خافت مؤكدا لها بأن أمه و أخته نائمتان، و يمكنها المكوث في غرفة أراها إياها ياسين حتى الصباح، وافقت ملاك وشكرته كثيرا على هذا الصنيع الجميل، ثم ذهب الجميع للخلود للنوم بعد هذا اليوم العصيب.
ملاك لم تستطع نسيان ما اقترفت صديقاتها في حقها، واستمرت في البكاء حتى غضت في نوم عميق من شدة التعب.
في الصباح الباكر، استيقظت ملاك أولا، لكن لم تجرؤ على الخروج من الغرفة، فهي لا تعرف أرجاء المنزل، لذا اكتفت بالنظر نحو سقف الغرفة محاولة نسيان ما جرى بالأمس إلى حين استيقاظ ياسين وأسرة ياسين، وهي تتأمل محيط المكان، لاحظت كما هائلا من الكتب والمجلدات والمجسمات الطبية التعليمية، إضافة إلى مكتب عريض في زاوية الغرفة وفوقه حاسوب محمول ومجموعة من المذكرات والأقلام، فهكذا تكون حياة الطالب بعد اجتيازه الثانوية العامة ودخوله الكلية، فأدركت بذلك أنها في غرفة ياسين الذي اكتفى بالنوم في صالة الضيوف ليمنح غرفته إلى ملاك، فما كان من هذه الأخيرة إلا أن شعرت بالامتنان للشاب ياسين. بعد لحظات سمعت ملاك بعضا من الحركة خارج الغرفة، فإذا به ياسين يستعد لأداء فريضة الصبح، فيا له من صوت جميل يرتل به آيات وكلام الله، فعم المنزل كله جو إيماني يأنس الخاطر ويرتاح به البال، وعلى هذا الصوت الجميل الرنان، استيقظت أم ياسين منادية أخته أمينة للاستيقاظ ومساعدتها على تحضير وجبة الإفطار، وما إن انتهى ياسين من الصلاة، قبل يد أمه وألقى التحية على أخته التي بادرت بالإسراع نحو غرفته لترتيبها، لكن أوقفها ياسين بسرعة، فاستغرب الكل من ردة فعله، إذ ليس من عادته أن يمنع أخته من ترتيب غرفته واكتشاف معلومة اليوم التي يضعها لها  كل يوم في مكان ما بغرفته لتنقب عنها، ثم لإزالة هذه الدهشة من على وجوههن، أخبر أمه بتقديمه يد المساعدة لفتاة كانت في حاجة للعون ليلة الأمس، في هذه الأثناء، كانت ملاك تصغي لما يجري أمام الغرفة، وهي مرعوبة من ردة فعل أهل ياسين، لكن وبكل سرور تقبلت الأم والأخت الأمر ونوها عن هذا الصنيع، ثم اتجه ياسين لطرق باب ملاك يسأل عن استيقاظها لتجيبه بالإيجاب، فخرجت من الغرفة وألقت التحية على الأم والأخت اللتان أعجبتا بها أشد إعجاب ورحبا بها كثيرا، ثم دعاها لوجبة الإفطار بعد أن تؤدي واجبها الديني.
اجتمع الكل حول مائدة الإفطار بما فيهم ملاك الخجول، التي مازالت ترتدي معطف ياسين، ثم سألت الأم عن مشكل ملاك وكيف انتهى بها الأمر على هذا الحال، ترددت ملاك في الإجابة أولا، لكن هي في أمس الحاجة لمشاركة حزنها وتفريغ قلبها المنكوب، فحكت لهن القصة بتفاصيلها، وكيف غدرن بها من كانت تعتبرهن أعز صديقاتها، وما إن انتهت من قص حكايتها، حتى بادرتها أمينة بعناق حار ودموع غزيرة، فهي فتاة مثلها وقد أحست بمعاناتها، ثم حزن الجميع لهذا الأمر، فطمئنهم ياسين بانتهاء المحنة وقد عادت المياه لمجاريها فهلموا لوجبة الإفطار.
بعد ذلك صاحبت ملاك أمينة إلى غرفتها بعدما طلب منها ياسين إعطاءها بعضا من ملابسها لارتدائها، وقبلت أمينة بكل سرور، ثم جلسن مع بعضهن يتبادلن أطراف الحديث في محاولة لنسيان ما جرى، حينها التحق بهما ياسين و البهجة تملأ محياه، فقد رأى ملاك بحلة جديدة ما أفقده صوابه للحظات من شدة جمال ما رأى قبل أن يدارك الأمر ويعود إلى رشده، فجلس معهن ليبادلهم الحديث ويسرد لهم بعضا من مستملحاته الفريدة، حتى تعالت ضحكاتهم وعمت الأجواء البهجة والفرح، وقد اكتشفت ملاك أن أمينة تتابع دراستها بنفس الثانوية العامة، لكن الطريف في الأمر أنها لم ترها يوما هناك، مجيبا إياها ياسين بأن سبب ذلك هو ملاك، التي لا تكاد ترى إلا باتجاه قدميها، فضحك الجميع، وفي هذا الجو المؤنس، مر الوقت سريعا، لتخرج أم ياسين من المطبخ سائلة إياهم ....

Post a Comment

Please Select Embedded Mode To Show The Comment System.*

Previous Post Next Post